Sunday, April 11, 2010

زمــن السـقــوط


زمــن السـقــوط
عندما تصبح الشعائر الدينية أهم من القيم الإنسانية
"عندما يكون ترك الصلاة أخطر من الكذب وسوء الخلق"
قلم : أسامة إسحاق


القيم الإنسانية كــ بر الوالدين والصدق والأمانة والحب والعدل والمساواة وطلب العلم وحسن الخلق وإحترام الوقت وعدم الغش والتزوير وهي صلة العبد مع أفراد مجتمعه , والشعائر الدينية كــ الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة والتسبيح والتهليل والتكبير وهي صلة العبد مع ربه , فقد يغفر عز وجل الإنتهاكات الشعائرية لأنها بينه وبين عبده ولكن ماذا عن الإنتهاكات القيمية والتي هي بين العبد ومجتمعه !؟ ...

يجب أن ندرك أن المجتمعات تهوي الى منحدرات خطيرة جدا عندما تتحول القيم الإنسانية الأخلاقية فيها الى مجرد أوهام وأضغاث أحلام وحبرعلى الماء وحروف متناثرة على أرصفة الشوارع يدوسها عابري السبيل وتصبح الشعائر الدينية هي الركائز الأساسية التي يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها ومعاقبة منتهكيها , وتصبح في زماننا هذا الشعائر هي واجهة الإسلام وعموده المتين بدلاً عن القيم الإنسانية الأخلاقية الأساسية والتي نزلت من أجلها الأديان وبعث من خلالها الأنبياء والرسل لإيصالها الى عقول وقلوب البشر...

زمن السقوط الذي نعيشه اليوم هو بسبب تقديم الشعائر الدينية على القيم الإنسانية الأخلاقية الأساسية, فيصبح ترك الصلاة أخطر من الكذب, وإفطار يوم في رمضان أخطر من التزوير , وإختلاط الرجال مع النساء أخطر من الغش , والأكل باليد اليسرى أخطر من الرشوة , ودخول الحمام بالرجل اليمنى أخطر من سوء الخلق , وترك الحجاب والنقاب أخطر من عقوق الوالدين , وزيارة القبور أخطر من عدم زيارة المحارم , وترك التسبيح والتهليل والتكبير أخطر من إنتهاك مال اليتيم والأوقاف , وإعفاء الشنب وحلق اللحية أخطر من الحقد والحسد , وترك صلاة التراويح والتهجد أخطر من الدعوة الى العصبية والطائفية , وحفظ القرآن أهم من حفظ الأعراض , والدعوة الى أرضاع الكبير وزواج الصغير أهم من الدعوة الى عدم سلب الحريات وإنتهاك الحقوق , والحث على إستعمال السواك وتكحيل العينين ً أكثر من الحث على العدل والمساواة , و الدعوة الى التناسل والتكاثر أهم من الدعوة الى تنظيم النسل , والحث على الطواف حول الكعبة أهم من الحث على طواف المسلمين حول مبدأ وشعار وكلمة واحدة , وقتل النفس البشرية (الإنتحاريين) هو طريق الفوز بالجنة والنجاة من النار , وتصبح عبارة البغض والكره في الله دروس وتعاليم نغرسها في عقول شبابنا بين صلاة المغرب والعشاء ,ويصبح خريجوا الكليات والجامعات والمعاهد غالبيتهم دراسات شعائرية دينية فقهية وليس قيمية او علمية , وعندما يكون المحافظ على الشعائر وتارك القيم من ورثة الأنبياء ودمه مسموم ويكون المحافظ على القيم وتارك الشعائر زنديق وكافر ودمه حلال زلال , زمن السقوط هو زمن أسكت وأسرق وأنهب وزور وأفتن وأكذب وأرشي ثم قم وصلي ركعتين لتحس بعدها بمخدر كاذب يشعرك بالطمأنينة وبأنك أديت واجبك الديني الإسلامي على أكمل وجه ولم يعد بينك وبين الفردوس الأعلى سوى قيد أنملة , وكل ما تحتاجه للفوز بسبعين حورية ونهر من لبن وخمر وغلمان هو حزام ناسف يفجر مجموعة بريئة من البشر لكي يقرب المسافة والزمن بينك وبين ما تم تخديرك عليه ...

القيم الإنسانية الأخلاقية واردة نصاً في القرآن الكريم وهي التي شدد عليها إسلامنا العظيم وقد خضعت تلك القيم الى التراكم الى زمن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام , فقد بدأت بمجموعة قليلة الى أن أصبحت في ذروتها مع الرسالة المحمدية , فمثلا الأيفاء بالكيل والميزان لم تبدأ تلك القيمة الإنسانية الا من عند نبي الله شعيب فلم يكن هناك مثلاً تبادل للسلع أيام نبي الله نوح , قال تعالى : "والى مدين اخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدو الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين'' الأعراف :85 , والناظر للتاريخ يدرك انه كل ما تطور الإنسان على مر التاريخ كل ما جائته قيم جديدة حسب معطيات الحياة ومستحدثاتها, وقد اُغلق باب تلك القيم مع الرسالة المحمدية فاليوم لم يعد هناك قيم جديدة ولكن الحياة لم ولن تخلوا من الحكمة والحكماء فالحكمة لا تنقطع على لسان البشر حتى تقوم الساعة , فمثلا لقمان الحكيم لم يكن رسول ولا نبي ولكن أتاه الله الحكمة فأدى رسالة الحكمة على أكمل وجه...

إن من أهم ما يميز القيم الأخلاقية على الشعائر الدينية هي أنها إنسانية والقاسم المشترك بين كل من يحمل بطاقة كتب على عنوان حاملها إسم "إنسان" دون النظر الى دينه ولونه وعرقه وثقافته , والقيم هي التي يجب أن نخاطب بها العالم من خلالها ونحاورهم بها وليس من خلال الشعائر الدينية , فكل دين له شعائره الدينية الخاصة به فالصوم في اليهودية ليس هو الصوم في المسيحية كما ليس هو الصوم في الإسلام وكذلك الصلاة وغيرها من الشعائر , فكلاً له خصوصياته الشعائرية ولا يجب أن ندعوا غير المسلمين بداية من خلال الشعائر الدينية ولكن من خلال القيم الإنسانية الإسلامية , وهنا نستعرض نماذج من القيم الإنسانية في قرآننا العظيم : "قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" الأنعام : 151 , "ولاتقربوا مال اليتيم الا بالتى هى احسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لانكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون" الأنعام : 152 , "وان صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" الأنعام : 153 ...


العرب في يومنا هذا أصبحوا يستهلكون ما مقداره 5 في المائة من إنتاج العالم وينتجون ما مقداره 3 في المائة أي أننا نعيش عبأ على العالم بسبب منهجيتنا المغلوطة , فلو نظرنا نظرة سريعة لأهم الأسباب التي أدت بحال مجتمعاتنا الى ما نحن عليه من تخلف وجمود مقارنة بمن ينسجون حضارة اليوم وبمن غاصوا الى أعماق المحيطات وأسرار الجسد البشري وغزو الفضاء وروضوا التكنولوجيا التي تسود العالم اليوم , فليس إطلاقاً سبب تراجعنا عن مواكبة الألفية الثالثة هو البعد عن ممارسة الدين والشعائر , فالمساجد ما زالت معبأة بالمصليين والملايين كذلك يحجون سنوياً الى بيت الله والدعاة المسلمين يجوبون الأرض شرقاً وغرباً ويتربعون على عرش عشرات القنوات الفضائية , والفتاوي الدينية من قبل مشائخنا لم تعد تغادر صغيرة ولا كبيرة الا وأفتوها , والحجاب أصبح حتى فوق رؤوس بنات الروضة والأبتدائية , ومنع الأختلاط بين الذكور والأناث طال حتى مدراس الأطفال , وأصبح هناك العشرات من المؤسسات والإتحادات والمذاهب الدينية , فنحن على مستوى تطبيق الشعائر الدينية الظاهرية نتسطر الأمم ولكن على المستوى القيمي والأخلاقي والتي تبنى الأمم من خلالها لا يوجد أدنى شك أننا نتذيل العالم , أصبح الدين البسيط والظاهري والأهتمام بالقشور هو عمود إسلامنا ومقصده فأدى ذلك الى تفريغ الإسلام من معنى إقامته الى معنى تأديته ...


كنا قد كتبنا على صفحات هذا الموقع مقال بعنوان "تجديد صياغة الخطاب الديني في اليمن " والذي نعتبره أحد الحلول للظاهرة التي نعاني منها حالياً في تقديم الشعائر الدينية على القيم الإنسانية لمن أحب الأستزادة , ودمتم أحبتي مقدسين للقيم الإنسانية ومحافظين على الشعائر الدينية , قال حبيبنا وقدوتنا وأسوتنا محمد الصادق الأمين "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ... مكارم الأخلاق مكارم الأخلاق مكارم الأخلاق.


والله من وراء القصد
أسامة إسحاق
10 أبريل 2010 م
المشرف العام لشبكة تعايش شباب اليمن
ملتقى الليبراليين اليمنيين