Sunday, May 16, 2010

لمـــاذا أنــا يمنـــــي علمانــــــي !؟


لمـاذا أنــا يمنــي علمانــي !؟

قلم : أسامة إسحاق

أيها اليمانيون اعلموا أن الفقر مقدر لكم من الله ولا مفر منه لذا وجب الرضى به والصبر عليه , أيها اليمانيون لا يخيفنكم غزو الفضاء وعلوم الأرض وحضارة الغرب فلم يأتوا من العلم الا قليل فتمسكوا بحبل أبائكم ومشائخكم وفقهائكم وورثة أنبيائكم فالله وحده هو العالم والمحيط بكل شيئ وهو الذي يقول لاي شيئ كن فيكون , أيها اليمانيون أنجبوا ما أستطعتم ولا تفكروا في تحديد نسلكم وتنظيمه وتكاثروا فقد حثـنا قرآننا بذلك فجميع أولادكم مرزوقون بإذن الواحد الرزاق , أيها اليمانيون لا بأس بأنتشار الأمراض بينكم فذلك إبتلاء عظيم للمؤمنيين المحتسبين وهو وحده الشافي المعافي وعسى أن تكرهوا شيئ وهو خير لكم وأبشروا بحور عين ونعيم غير زائل , أيها اليمانيون عليكم بالعمل لأخرتكم والأكثار من شعائركم فهذه الدنيا فانية زائلة لا محالة وأكثروا من هادم اللذات ومفرق الجماعات وتذكروا يوم الحشر لكي يجزيكم ربكم جنة عرضها السماوات والأرض , أيها اليمانيون اعلموا أن خير العلوم هي العلوم الشرعية ومن عرف دينه لا يضره جهل غيره , أيها اليمانيون أيقنوا أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة لذا لا يجب الأهتمام بها الا بالقدر الذي يساعد في أداء الشعائر الدينية , أيها اليمانيون لا تسألوا او تكتبوا او تهمسوا او حتى تحلموا بمحاسبة الفاسدين في أوطانكم فالله وحده سيحاسبهم في يوم تشخص فيه الأبصار , أيها اليمانيون لا بأس بتخلفكم وجمودكم العلمي والتقني فهي مجرد علوم فانية وآلات بشرية زائلة وما عند الله خير وأبقى لو كنتم تعلمون ...


لكـــــــن احذروا ثم احذروا ثم احذروا أيها اليمانيون من ترك النقاب والحجاب فقد بدأنا نرى في شوارعنا بعض خصلات شعر النساء تظهر هنا وهناك وما نحسبها الا كارثة حلت علينا ومصيبة عظيمة لا يعرفها كثيرمن خلقه , وأما الطامة الكبرى أيها اليمانيون فهي أن يتم إلغاء زواج القاصرات من قبل البرلمان الفاسد , لذا وجب علينا تلبية نداء ملك الملوك بتسيير الملايين من المؤمنيين الأشداء على الظلم والرحماء بينهم لكي يعيدوا لهذه الأمة كرامتها ويضعوها مجددا في مسارها الصحيح والقويم وطريق القعقاع وبن العاص وقتيبة , وليعلموا أن كلمة الله هي الحق وكلمة البرلمان هي الباطل والله أكبر والعزة لله ورسوله والمؤمنيين........... "آه آه يا أمة ضحكت من جهلها الأمم"


لم يعد يخفى على أحد أن من أهم أسباب تغييب إعمال العقل في يمن الحكمة هي تلك العقليات الفقهية والخطابات الدينية المخدرة والتي أكل الدهر عليها وشرب , وما دعاني الى كتابة هذه الحروف هي ممارسات فقهاء اليمن في الأونة الأخيرة والتي أرشدتني الى الأجابة على سؤال لطالما حيرني وهو : لماذا أستطاع المجتمع اليمني أن ينتج ويصدر الألوف من المشائخ والفقهاء والدعاة الناقلين الحافظين المقلدين ولم يستطع أن ينتج ويصدر علماء مبدعين !!؟ , وكانت الأجابة التي لا مفر منها , أن السبب في ذلك هو المنهجية المعرفية التي ننتهجها في حياتنا والعقل النقلي الفقهي الذي أصبح معشعش على أدمغتنا كل صباح ,تلك العقلية النقلية الفقهية التي أصبحت قبر لكل مبدع وكفن كل مفكر ومشنقة كل أديب وأصبحت مرتع خصب لتكاثر بكتيريا العفن وفطريات التخلف والتطرف والجمود , فقد أصبحنا نعيش بموجب تلك العقلية فلسفة النقل والحفظ والتكرار ونظرية المؤامرة والشماتة من الآخر وفلسفة الحرام والمكروه والغير جائز والغير مندوب والبدع والخطوط الحمراء و فلسفة من تمنطق تزندق والفرقة الأحادية الناجية والكره في الله والفرق الضالة والأراء المكبوتة والحجب والمنع والتكفير , دون أن نحاول ان نطئ شواطئ الإبداع والفكر الحر خوفاً من فتوى قد تسلب منا أغلى ما نملك ...


يجب أن ندرك أننا بحاجة الى تبني العقلية الفلسفية النقدية التساؤلية القادرة على إنتاج المعرفة وليس تقليدها , العقلية النقدية التي تدعوا الى التفكير التمردي وتنطلق بصاحبها الى الخيال اللامحدود ولا تعترف إطلاقاً بأسئلة مسموحة وأخرى مكبوحة ولا تعترف بأراء معلنة وأراء أخرى مدفونة ولا تعترف بفلسفة الخطوط الحمراء او الشمع الأحمر , وأكاد أجزم أن أحد أسباب تخلفنا عن ركب قطار الحضارة هي العقلية الفقهية التي طغت على الأخضر واليابس , وأن طوق نجاة شعبنا هو في تبني عقلية فلسفية نقدية تخرجنا من ثقافة الصحراء والتي ترى المستقبل سراب وتخاف من ملاحقته وترى الماضي السحيق هو الحقيقة الوحيدة التي تستحق أن نلهث ورائها بحثاً عن خطب حنبلية او فتاوى شافعية او خواطر مالكية او قصص حنفية , يهربون دائماً الى الماضي عند الصعاب ونحن نحلم ببناء المستقبل بعيون وعقول الحاضر , فنحن جيل كُتب عليه أن يعيش في هذه المرحلة التي تعالت فيها حناجر الأصوليين وفقهاء النقاب وزواج المطفال والعقليات المقلدة , فيجب أن يعلم الجميع أنني من هذه اللحظة لم يعد لي حاجة لأحد منهم لكي يمنحني صك الإسلام تحت إمضاءه المقدس فأستطيع فهم الإسلام على طريقتي بأنه فروض خمس وإيمان بأركان ست وإحسان بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وأن الحلال بين والحرام بين ...


إنها العقلية الفقهية التي تنادي دائماً بالكره والرفض على ما يأتي من الآخر ولا تؤمن الا بما ولد في بيئة إسلامية وترى الحياة من خلال زاوية ضيقة ونظرية الأخترال , فتختزل المفاهيم والنظريات والفلسفات الى مسميات فمثلاً أختزلت الماركسية على أنها "الدين أفيون الشعوب" والداروينية أنها "أصل الإنسان قرد" والفرويديه أنها "إباحية جنسية " والعلمانية أنها "لا دينية " ...الخ , كل تلك الأختزالات المعادية للآخر ولفكر الآخر وثمار الآخر لا تؤدي الا الى نظرة ضيقة للحياة لا ترى سوى نفسها دائما على صواب وتنادي دائماً بضرورة وحتمية المضي قدماً ورائها للوصول الى عالم تملئه الطمأنينة والعدل والمساواة والرحمة , ولا أجد تلك الشعارات الا إسطوانة مشروخة مغبرة ولم تعد صالحة الا لمقاطعة البضائع الدنماركية او لمنع الفنانة أصالة نصري من الغناء في اليمن , الغريب في الأمر أنهم عبيد للقديم والتراث ويكرهون كل جديد لمجرد أنه قادم من بلاد الغرب وهم في حياتهم لا يستطيعون في دعوتهم تلك الأستغناء عن منجزات الغرب رافعين عقيرتهم بالصياح أن الله قد سخر لهم منجزات الغرب لكي يستعملونها لمصلحتهم , وهم لا يدركون أن تلك المنجزات هي نتاج مرحلة زمنية وعقلية معينة وفلسفة نقدية وتجربة إنسانية ونتاج لتضحيات مريرة وليست إطلاقاً كعصى موسى او ناقة صالح او مائدة عيسى قال لها الرب كن فيكون , فما زالت تلك العقلية الفقهية تسبح في رمال الماضي حالمة أن تستنشق روائح سنون عريقة ولت وأندثرت لكي تشعرها بالعظمة المؤقتة , فقد أصبحت تلك العقلية دون أن تدري ملك للتراث والماضي بدلاً أن يكون التراث والماضي ملك لها ...


يجب أن تدرك تلك العقلية الفقهية أننا كشباب يمني حداثوي نحمل رؤية للمجتمع اليمني تهدف إلى إعادة التوازن بين ما هو ماضي وما هو حاضر وما سيكون مستقبل ، بين ما هو حسي وما هو عقلي ، بين ما هو مادي وما هو إيماني ، بين ما هو سياسي وما هو ديني , بين العالم الأرضي المادي والعالم السماوي الروحي ، نحمل رسالة لتسوية المواطنين وحذف رتبة المشيخة في القضايا العلمية والسياسية وتقديم المصلحة الجماعية دائما على حرفية النص المقدس في قضايا المجتمع ونؤمن على تقديم رأي العالم في مختبره على الفقيه في صومعته في قضايا العلوم وتقديم رأي السياسيين في المجالس المنتخبة على أقوال السلف وفقهاء الماضي , نسعى لوضع لبنات جديدة لمجتمع جديد لا يهمل روح العصر ومتغيراته وما طرأ على الحياة من اختلاف لم تكن موجودة في السابق ...


لم يعد يخفى على أحد ان الدولة المدنية العلمانية التي نسعى لها تقبل وترفض استناداً الى مبدأ المصلحة العامة وبمعيار واحد لا يحتمل التأويل والتلاعب وهو القانون والدستور , وقابل للتعديل في أي وقت بما يتوافق مع مصلحة الشعب عن طريق المجالس والبرلمان المنتخب , وهي الميزة التي يتميز بها عن غيره بتبني أفضل الخيارات الموجودة من منطلق المصلحة العامة سواء أخذ تلك المصلحة وذلك الفكر من ماركس او حسن البناء او فرويد او ابو الدرداء او داروين , فالنظام المدني العلماني نظام إدارة لجميع شؤون مؤسسات الدولة يقوم بوضع الضوابط واللوائح والقوانين المدنية الضرورية لمسايرة العصر وتطوراته ويعيد للمواطنين ثقتهم بأنفسهم بأعطائهم حقوقهم في الحرية والتعبير وحق النقد ويوصل رسالة الى أصحاب العقلية الفقهية أن الحكم ليس مجرد إقامة الحدود وجباية الزكوات فقط بل يمتد الى أوسع من ذلك وأشمل الى بناء مؤسسات الدولة بجميع سلطاتها وتفاصيلها المعقدة والدقيقة , وفي الطرف الآخر نرى أن العقلية الفقهية التي أفرغت النصوص الشرعية من محتواها وروحها ما زالت تدافع عن قراراتها إستناداً الى القيل والقال وما حدث قبل عشرات ومئات السنين والتي من وجهة نظرها قد صبغت بالصبغة الأبدية الصالحة لكل زمان ومكان ولا يمكن تعديلها بناء على المصلحة العامة ومتغيرات الزمن فتلك حجرة عثرة كبيرة في بناء اليمن الحديث تحت مظلة الدولة والديمقراطية والقانون المدني العلماني ...


ودائما ما نسمع في القنوات والاذاعات والصحف والمجلات والمواقع والمنتديات دعوى أن المسلمين قدموا حضارة لم يسبق لها نظير في السابق بسبب الحكم الديني الإسلامي وأنه لا مفر من العودة الى ذلك النمط من الحكم لكي نتطور ونسطر حضارة جديدة , وهم لا يدركون ان نظم الحكم قد تطورت كثيرا كما كانت عليها في السابق , وهم بدعواهم تلك يريدون إعادة عجلة التاريخ الى الوارء , وفيما اذا صدقنا دعواهم وفلسفتهم تلك فهل بأمكان الجمهورية اليمنية اليوم أن تعود الى نظام حضارة سبأ التي كانت زاخرة في زمانها وهل بأمكان جمهورية مصر أن تعود الى نظام الدولة الفرعونية لأن مصر شهدت في تلك الفترة حضارة لا يشق لها غبار , وهل سنسمع أيضا من بريطانيا مثلاً دعوة الى تغيير أنظمتها وقوانينها بما يتوافق مع أنظمة وقوانين الأمبراطورية السابقة التي لا تغيب عنها الشمس , ربما لو ظهر أحدهم هناك ينادي بتلك الدعاوى لأتهم بالجنون وزج به الى عيادات الطب النفسي ...


فلتدرك تلك العقلية الفقهية أن حيلة تحكيم الكتاب والسنة والتي ترفع على أسنة الرماح في كل محفل وملتقى أصبحت مفضوح أمرها , فما هي الا خديعة تستعملها للوصول الى مآرب أخرى بعيدة كل البعد عما يتراءى للبسطاء والعوام من ظاهرها فهي كلمة حق يراد بها باطل , ولنا في التاريخ خير شاهد فقد أستعمل تلك الحيلة عمر بن العاص في حرب صفين للتغرير على الخوارج والبسطاء من المسلمين , فنحن نؤمن بأن النص ثابت ولكن الناس دائما يختلفون في فهم وتأويل ذلك النص والا لما شاهدنا عشرات التفاسير وعشرات المذاهب وعشرات الأراء المتناقضة والتي ترفع كل واحدة منهم بيرق تحيكم الكتاب والسنة , فهناك على أقل التقدير أربعة مذاهب في اليمن بأغلبية شافعية ويليهم الزيود ثم الصوفية ونستطيع القول بوجود السلفية والأثنى عشرية وكذلك وجود أقليات أخرى كاليهود , فلا أدري أي عقلية فقهية سيتم حكمنا بها إن قلنا كما يقولون بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله فكل فرقة لها جزء من السنة مصدق به ومضعف للجزء الأخر...


هل لكم أن تتخيلوا فقط كيف سيكون حال المجتمع اليمني اذا حُكم من قبل تلك العقليات الفقهية , فعلى سبيل المثال لو تم حُكمنا من قبل العقلية السلفية كيف سيكون حال المواطنين المخالفين لهم أمثال الأسماعيليين فيما إذا عرفنا أن المنهج السلفي يدعوا الى عدم التعامل والتجارة معهم وضرورة التنكيل بهم نصرة للدين الحق مستندين للكتاب والسنة في قولهم ذلك !!؟ , وكيف سيكون الحال اذا حكمنا من قبل الأثنى عشريين فهل سيعود مفهوم الحق الألهي للحكم والخلافة في البطنين وتحذف مناهج السنة من الوجود وأستبدالها بمناهج شيعية وسنعود مجددا الى الطبقية وتقسيم اليمن الى مواطنيين من الدرجة الأولى هم آل البيت ومواطنين من الدرجة الثانية وهم البقية وأيضاً مستندين للكتاب والسنة في قولهم ذلك !!؟ , وكيف سيكون الحال اذا حكمنا من قبل الحجوري من دماج وهو الداعي والحالم دائما الى إزالة الزيدية والزيود من اليمن وكيف سيكون تعامله معهم أذا أستقوى عليهم وهو كذلك مستنداً لأقواله تلك من الكتاب والسنة !!؟ , وماذا عن المواطنين الصوفيين ومزاراتهم المنتشرة في حضرموت فهل سنشهد تدميرها كما دمرت طالبان تماثل بوذا تحت مبرر محاربة البدع !!؟ , وماذا سيكون مصير الأحزاب السياسية المتنوعة الفكر والطرح بين اليمين واليسار فهل سترجع العقلية الفقهية الى مفهوم السلف في ضرورة وجود حزبين فقط في الحياة العامة هما حزب الله وحزب الشيطان الاول لرفع راية الله ورسولة والثاني لمحاربته وأبادة أنصاره ...


وهل سيتم قطع أيادي المواطنين في السجون ورجم الجزء الأخر بالحجارة حتى الموت بحجة تطبيق الحدود !!؟ , ومن المؤكد أنه سيتم تحجيب المذيعات وتزويج الصغيرات والغاء المعاهد الفنية وأغلاق المسارح والتي ما زالت طفل يحبوا , وسيتم شطب وزارة الثقافة بأمر من أمير المؤمنين وأستبدالها بوزارة البخاري ومسلم , ووزارة الأعلام سيتم أستبدالها بوزارة النصح والأرشاد وكذلك وزراة الداخلية سيتم أستبدالها بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وسيتم تحريم الغناء والموسيقى والتمثيل والرسم والنحت والتصوير وسيتم عزل الذكورعن الأناث في الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس وسنشهد مدرسة لتحفيظ القرآن لكل خمسة بيوت مقابل أهمال التضخم السكاني , كل ذلك طبعا سيكون مسنده فتاوى صريحة وجاهزة في كتب التراث ولا تلاعب في حكم الله وسنة رسولة من وجهة نظرهم ومن أنكر ذلك ليس له الا حد السيف !! ...

ولا أدري ماذا سيكون حال الأقتصاد اليمني هل سيتم عزله عن الأقتصاد العالمي بحجة ربوية البنوك العالمية العلمانية !!؟ , وهل سيتم أغلاق شركات التأمين بفتوى تراثية !!؟ , وهل سيتم إيقاف النظام الضريبي المحرم شرعاً والأكتفاء بجمع الزكوات !!؟ , وفيما اذا حصلت بعض المظاهرات للمطالبة بالتغيير او حتى مثلا بالأنفصال كما هو حاصل اليوم في بلادنا فهل سيتم التعامل معهم بحنكة سياسية ام سيتم لا محالة أحالة أوراقهم الى فضيلة المفتي لكي يتم بعدها أبادتهم جميعاً بحجة الردة والخروج على طاعة ولي الأمر , ولست أدري آلية أختيارهم للحاكم فيما اذا قرأنا في كتب التراث أن الصديق ولي خليفة على المسلمين بناء على إجتماع نفر من المسلمين تحت السقيفة , والفاروق بناء على وصية ابو بكر , وذو النورين تم أختياره من بين ستة أشخاص أوصى بهم عمر , وعلي لم تكتمل له البيعة , ومعاوية أخذها بقوة السيف , ويزيد بن معاوية بالتوريث , وعمر بن عبدالعزيز بالصندوق المغلق الموصى به من سليمان بن عبدالملك , والعباس السفاح تولي بعد ثورة سفكت دماء الأمويين ونبشت حتى قبورهم ....الخ , وكذلك لست أدري هل سيكون هناك مدة محددة للحاكم أم سيأخذون بها صك ألهي مدى الحياة ولا ينزعه منهم الا القانون العزرائيلي !!؟ ...


إن الناظر لحال الجماعات الإسلامية بقليل من التعقل ليدرك أن كل فرقة تحتكر الإسلام وتنسبه لنفسها وأنه لن يطبق الا من خلالها فقط , ولم يحصل على مر التاريخ الحديث أن تقدمت عقلية فقهية متمثلة بالجماعة الإسلامية ببرنامج سياسي وإقتصادي وإجتماعي ومالي لحكم دولة ولكن كل ما بحوزتهم شعارات مثل "إسلامية إسلامية " او "الإٍسلام هو الحل" او "العودة الى الخلافة الإسلامية" مجرد مسلمات عامة دون أن ينزلوا بذلك الخطاب الى الواقع المعاش او بتفاصيل أعمق للحكم , وهنا تحضرني قصة طريفة حصلت في مصر في احدى الأنتخابات هناك ونستطيع أسقاطها على واقع مجتمعنا اليمني , حيث رفع الأخوان المسلمين شعارات ولافتات ملئت مصر تحت عنوان واحد "الإسلام هو الحل" وعندما كان يسأل الكثير من رافعي تلك اللافتات والشعارات : كيف الإسلام هو الحل . كانت أجابتهم لا ندري بالتفاصيل ولكن نعلم تمام العلم أن الإسلام هو الحل !! , فما كان من الحزب الوطني الحاكم الا أن رفع شعار "الله هو الحل" !!؟ , وهكذا يدنسون الإسلام ورب الإسلام من أجل تحقيق مآرب أخرى هي أبعد ما تكون عن خدمة راية الله ورسولة , هو الجهل ولا شيئ غيره لو كان قومي يعلمون ...


وحصل أيضا في العشرينات من القرن الماضي قصة أخرى تخدم مضمون موضوعنا هنا , فلنا في التاريخ عظات وعبر , حيث ترشح الأستاذ أحمد لطفي السيد في أحد الدوائر الأنتخابية في مقابل شخص آخر أهمله التاريخ , والجدير بالذكر أن مفهوم الديمقراطية في ذلك الحين كان جديدا على الشارع العام وكان الأستاذ أحمد لطفي السيد من أشد أنصار الديمقراطية آنذاك , فما كان من الشخص الذي ترشح أمامه الا أن عقد مؤتمر شعبي لأبناء الدائرة وعرف من أين تؤكل الكتف وخطب في عوام تلك الدائرة مستخدماً السلاح الديني التخديري الفتاك في سبي العقول البسيطة , وقف عليهم قابضاً مسبحته معفيا لحيته حالقا شنبه وواضعاً للمصحف في جيب ثوبه العلوي وقال بالحرف الواحد : " إن كنتم تريدون ترك الإسلام وإعتناق الديمقراطية فأنتخبوا أحمد لطفي السيد هذا شأنكم وقد أبلغت , اللهم فأشهد ." ... ولكم بعد ذلك أن تتخيلوا مجرى تلك الأنتخابات دون الحاجة للدخول في تفاصيل نتائجها فقد حسمت قبل البدء , ولكن مع مرور الوقت أصبحت الديمقراطية ليست مطلباً شخصيا لأبناء تلك الدائرة او حتى مطلبا لشعب بذاته بل أصبحت مقصداً وهدفاً عالمياً بالرغم أنها كانت في يوما ما مفردة من مفردات الكفر والردة في مجتمعاتنا , ولنا في التاريخ خير عبرة وهو الذي يعيد نفسه مرارا وتكرارا والعبرة لمن يعتبر , فما حصل بالأمس مع أنصار الديمقراطية يحصل اليوم مع أنصار النظام المدني العلماني والمواجهة شرسة ما بين أنصار دولة النظام والقانون المدني وبين أنصار دولة الكهنوت والتراث وأقوال السلف , نحن اليوم بين مفترق طرق بين أختيار طريق يعود بنا الى الماضي وطريق آخر يقودنا الى المستقبل, مواجهة بين عقل ونقل بين إبداع وإتباع بين محبرة وقنبلة ...


اليوم وفي الألفية الثالثة ومع صراع بدأ يلوح في أفق سماء اليمن بين العقلية العلمانية والعقلية الفقهية المسيطرة , بدأت العلمانية تمشي على إستحياء في المجتمع اليمني كما مشت الديمقراطية في بداياتها , وكيف لا والتاريخ يعيد نفسه فالعلمانية اليوم مصبوغة بصبغة تكفيرية من قبل العقلية الفقهية , ولأي شخص أن يسأل عن مفهوم العلمانية في الشارع اليمني لكي يجد إجابات مختلفة في اللفظ متفقة في المعنى , وهي أن العلمانية ما هي الا كفر وردة وخروج من الملة , دون أن يكلفوا أنفسهم وهم أمة أقرأ أن يقرأو سطر واحداً في مفهوم النظام العلماني من وجهة نظر معتنقيه أمثال زكي نجيب محمود ومحمد عابد الجابري وفؤاد زكريا ونصر حامد ابو زيد ومحمد آركون وطارق حجي وغيرهم الكثير والذين طالما حلموا بمجتمعات عربية مدنية يسودها المواطنة المتساوية والحرية والإبداع . كلي أمل أن أرى مجتمعي وقد تغير حال ثقافته وعقليته و التي أصبحت تقدس تفسيرات النصوص القرآنية والسنة النبوية رافضة للدعوات من هنا وهناك بتحكيم وتفعيل العقل , فالمشكلة ليست بتحكيم الكتاب والسنة ولكن المشكلة فيمن يحتكرها على نفسة وعلى أتباعه ...


كلي أمل أن أرى مجتمعي وهم لا يقتصرون في فهم النصوص على نقليات وعقليات عاشت في زمن الأقطاع والعبيد والرق والبداوة لكي يتم أسقاطها جهلاً على زمن العولمة والحريات وحقوق الإنسان , كلي أمل أن يفهم مجتمعي أن الموروث مهما كان مقدسا فإن فهمه ليس مقدسا ولا قدسية لبشر بعد موت حبيبنا ونبينا محمد , كلي أمل أن أرى مجتمعي لا يؤمن بفلسفة اللحوم المسمومه وكأن هناك في الجهة الأخرى لحوم إنسانية صالحة للأكل ولكن كل من أخطأ يجب أن ينتقد ويحاسب فكلنا مكتوب في جبينة كلمة "مواطن" ولا فرق بين هذا وذاك , كلي أمل أن لا يتوهم أي مواطن يمني أنه الوحيد المدافع عن الدين وما البقية الا مارقين ضالين , كلي أمل أن يعلم مجتمعي أن تحضرنا ليس سراباً ومن يتوهم بذلك سيعيش في ظلمة العصور الحجرية , كلي أمل أن يدرك مجتمعي أن العلمانية ليست كلام مقدس وبديل للإسلام وإنما عندما تكون متوافقة مع الإنسانية والحرية والكرامة الإنسانية فهي جزء من الإسلام لأن كل فضيلة وإجتهاد جميل يحرص عليها الإسلام وتصبح سمة من سماته ...


أخيراً ... إن مجرد التلويح بمظاهرات مليونية من قبل العقلية الفقهية لمجرد تحديد سن زواج الأناث بـ 18 عاماً من قبل البرلمان اليمني وهي الجهة المنتخبة من الشعب اليمني والمخولة الوحيدة لأصدار قرارات بناء على ما تراه يحقق مصلحة الشعب لهو مؤشر خطير لمستقبل اليمن والذي يوحي بأن اليمن أصبحت مهيئة في أي ظرف من الظروف لثورة دينية كما حصلت في إيران وسيتحول بموجبها فقهائنا الى رسل السماء ومرجعيات مقدسة والشعب المليوني ذاك من العوام والبسطاء المساند لهم يتحول الى حرس ثوري يمني لحمايتهم وحماية مصالحهم ولنا في التجربة الأيرانية العبرة والعظة , فأتمنى أن يكون هناك آذان صاغية وقلوب واعية لما يجري من تغييب للعقل وسطوة للكهنوت وطمس لمعالم الحياة المدنية الجميلة المنشودة ...


وطني الغالي والمسمى باليمن , لست إطلاقاً من المؤمنين بسطوة الموروث وهيمنة العادة بل مؤمن أشد الإيمان بما يمليه علي عقلي وقلبي , وأشهد أن لا وطن لي غيرك وأن ترابك هو محرابي وسماءك هو مصباحي , وأقسم بأجمل شيئ في هذه الحياة أني لن أتوانى يوما لحمايتك والذود عن عرينك أبداً ما أحياني ذلك الشيئ الجميل.



اليمن وكل اليمن من وراء القصد
ولذلك أنا يمني علماني


أسامة إسحاق

15 مايو 2010
Semoyemen@yahoo.com
المشرف العام للشبكة