Tuesday, August 17, 2010

دعــــــوة للإنحراف


لا لثقافة القطيع , نعم للغنم القاصية
قلم : أسامة إسحاق

" القطيع هي كائنات يجمعها الشعور الغريزي بالخوف وحب البقاء للسير في جمعات خلف بعضها تسيرها العقلية الجمعية دون شعور .. تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصى "

"الجلاد لم يولد من الجدار ولم يهبط من الفضاء نحن الذين خلقناه كما خلق الإنسان القديم آلهته ثم بدأنا نخاف منه إلى أن وصلنا إلى الأمتثال والطاعة والرضا، وأخيرا إلى التسليم"
عبدالرحمن المنيف


لا أطيق التجمهر والإزدحام ولو كان على مشارف الجنان لأني عندها لن أكون أكثر من رقم في قطيع , ولن يكون هناك أي معنى لك أيها الإنسان مالم يكن لك حرية في تجربة الخطأ والصواب دون السير أعمى في قطعان يسيرهم راعي ويخيفهم ذئب فربما إن أخطأت وإنحرفت عن مسار قطيع الغثاء تزيح بعض الحصى والرمال والتي تراكمت وحبست أنفاس قطعانك ...


إنحرف ثم إنحرف ثم إنحرف فكلي يقين أن بإنحرافك عن مسار قطيع الجمود والتخلف والجهل لن يكون ألا ثقب صغير يسمح لضوء التغيير الجميل بالدخول الى سرب القطيع الذي عاش وما زال يعيش عاشقاً ومتيما للظلام والنوم ويخشى على نفسه من ترك ذلك القطيع إيماناً منه بما تغلغل في قاع دماغة من ثقافة القطيع بأن "بين أخوتك مخطأ ولا وحدك مصيب" ولكني سأقول لتلك الثقافة أني سأكون مصيباً من وجهة نظري حتى لو خالفت أخوتي وجميع سرب القطيع لأني عندها سأشكل تهديداً ليس للقطيع ولكن لراعي القطيع والذي سيذبحنا واحداً تلو الأخر لكي يعيش هو إن بقينا في ثقافة سرب القطيع .. "قطيع نحن والجزار راعينا" ....


حريتك أيها الإنسان مع ألم يعصرك وقلب يحرقك أكرم لك من عبودية قطعانية مع سعادة موهومة ... فلن تعيش أكثر من عقود تعد على أصابع يديك فإن كنت تحب أن تقضيها أكلاً وشرباً وسكناً وجنساً فأستمر في قطيعك الذي ولدت حوله وراعيك الذي أجبرت على حكمه ... فلن تستطيع أن تحقق أحلامك وفكرك مرهون بقطيعك وفراش نومك وتأكد أن أول خطوة لتحقيق حلمك وذاتك هي أن تستيقظ وتنحرف عن قطيعك المسير والغير مخير ...


أنتبهوا من أن يخيفكم أحد عشاق ومدمني ثقافة القطيع بأن الإنحراف ما هو ألا ضياع وأن الذئب لا يأكل الا من الغنم القاصية فهو لا يخدم بنشر تلك الثقافة الا راعيه وينسى انه سيكون يوماً هو بنفسة تحت رحمة سكين راعيه ... تلك مفاهيم غرسها في رؤوسنا راعي القطيع حتى يستثمر في قطعانة ويأتي يوماً لكي يذبحهم بنفسه واحداً تلو الأخر وكل ما علينا الا أن نأكل ونشرب ونمارس الجنس ونسمن أجسادنا وننتظر يوم ذبحنا...


يجب أن تؤمنوا أن من غير مسار هذا التاريخ هم أناس رفضوا ثقافة القطيع وهما نوعان من الإنحرافات منها السلبي ومنها الإيجابي , لن نتكلم عن الإنحرافات السلبية فهي التي طبعت في عقولنا عن كل منحرف ولكن سنحاول أن نطرق باب الإنحرافات الإيجابية على إستحياء .. نبدأ برسول الحرية محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه فقد عاش في مجتمع تسوده ثقافة جاهلية عمياء فأعلن إنحرافة عنها فسطع نور الإسلام بذلك الإنحراف ... نيوتن الإنسان المنحرف فيزيائياً والذي كان إنحرافه عما كان سائداً في علم الفيزياء بداية لعالم جديد من الثورة العلمية ... وهو ما يؤكده إنحراف العظيم جرهام بل والذي قال في أواخر حياته "لا تمشي ابدا على الطريق المرسوم لانه يقودك حيث ذهب الاخرون" ... غاندي ذلك المنحرف نضالياً والذي غير من الثقافة النضالية السائدة وإنحرف الى ثقافة نضالية سلمية وطرد بموجبها أعتى قوة إستعمارية...


وماذا عن إنحراف الأخوان رايت في التفكير والذي فتح الباب على مصراعية لعالم التحليق في السماء... وهل إنحراف المهاتيري العظيم عن ثقافة رجال الغابات القطعاني الا واحداً من تلك الإنحرافات عن الخطوط السائدة التي تنحت بماء الذهب ... وماذا عن إنحرافات الرازي ودافنشي وشكسبير وابن سيناء الا تستحق أن تدرس كأعظم الإنحرافات التي غيرت من وجة الإنسانية ... وأنظروا الى 27 عاماً من إنحراف مانديلا عن مسار الثقافة السائدة في الجنوب الأفريقي والتي كانت المخاض لعالم أفريقي جنوبي جديد ... وهل عظمة جاليليو وكوبرنيكوس وطبقتهم المستنيرة جائت الا بعد إنحرافهم عن مسار محاكم التفتيش السائدة ... وماذا عن إنحراف العظيمان الأيوبي والمختار عما كان سائد في عصرهم وسطروا بعدها أروع أمثلة العظمة والشموخ...


والعديد من الإنحرافات الإيجابية التي كانت وما زالت الشهب التي تنير طريق البشرية ... الخطابية والداروينية والماركسية والخلدونية والفرويدية والمندلية والماوتسونغية والهوتشيمينية والشابلينية والكواكبية والجيفارية والمارتينية والناصرية والبونابارتية والسقراطية والأفلاطونية والبتهوفينية والأديسونية والخوارزمية والهيثمية والبوذية والباستورية والأرخميدسية والسلفادورية والأقليدسية والمندليفية والماركونية والدالتونية والفلمنجية والماجلانية والفولتيرية والتولستوية .... الخروج والإنحراف عن الخط المألوف يتيح لك أن تنظر للأشياء بطريقة مختلفة فحاول أن تكون هناك ...


كم من أناس عاشوا مع من ذكرناهم وكانوا يؤمنون أشد الإيمان أن ثقافة قطعانهم كانت على صواب الى أن جاء المنحرفين عنها فأنقذوهم من سطوة الموروث وجهل السائد ... كم من أناس خافوا حتى التفكير في مبدأ الإنحراف عن ثقافة القطيع خوفاً من ذلك الذئب المزعوم الذي ينتظر تفكيره لمجرد الخروج عن المألوف ... كم من أناس أصبحت أجسادهم جزء من تراب الأرض ولو عادوا للحياة مجددا لأعلنوا إنحرافاتهم الإيجابية والإبداعية لخلق عالم أفضل ... كم من أناس أدمنوا العيش في ثقافة القطيع ليس حباً في قطعانهم ولكن خوفاً من مجهول ثقافة اللا قطيع ولم يدركوا أن عدم معرفة الشئ سر الخوف منه ... كم من أناس سكتوا عن حقوقهم ولم يدركوا ان الحق لا يعطى لمن يسكت عنه الا في المدينة الفاضلة الهلامية ... هل يجب أن نذكر بوضعنا الحالي السائد والذي تتكاثر عليه بكتيريا التخلف وفيروسات الجمود لكي يكون دافعاً لإنحرافنا عن هذا المسار ... الا يعني السير مع هكذا ثقافة قطعانية متخلفة الا مسانداً لها ودفاع عليها للبقاء أطول فترة ممكنة خدمة لراعينا المبجل ... الا يكون عندها الإنحراف فرض عين على كل رقم في قطيع...


لن أؤمن بعد اليوم بثقافة القطيع ... لن أؤمن بعد اليوم بأن الإنحراف يعني الضياع ... لن أؤمن بعد اليوم بأن الذئب يأكل من الغنم القاصية ولكنه يأكل مع الجزار من الغنم النائمة ... لن أؤمن بعد اليوم بــثقافة "بين أخوتك مخطأ ولا وحدك مصيب" ... سأعلن على رؤوس الأشهاد بأني أصبحت منحرفاً وسأظل منحرفاً وسأموت منحرفاً ما دام جل ما حولي يؤمن بثقافة القطيع ويعيش في أمة الغثاء ...


يرتكب الكثير خطأ فادحاً عندما يطالبوا العالم بتحرير القطعان من كل جزار ولكن الأجدر أن ننادي بداية بتحرير عقول القطعان من ثقافة وفكر وفلسفة القطيع عندها لن يكون هناك من مدخل لجزار القطيع الا أن يفر هارباً ويتولى مسؤلية رعاية القطيع واحداً منهم لا يحمل سكيناً للذبح ولكن قلماً للتعلم...فكر بأستمرار وأسأل نفسك مراراً ... لماذا يطعم راعي القطيع قطعانه ويحميهم بعصاته ثم يخبأ خلف ظهره سكيناً يحدها كل يوم دون أن ندري ولكننا ندري أن عدد قطعاننا في تناقص مستمر دون أن يكون للذئب المزعوم أي ظهور... فمن الأحق أن نخافه ونحاربه الذئب أم الراعي !!!؟


أعلم تمام العلم أن المنادي بتغيير او مقاومة الجزار لمصلحة القطيع سيتعرض بسبب ثقافة القطيع المتغلغلة في عقول القطعان الى النطح حتى الموت من قبل أفراد القطيع أنفسهم قبل ان تصله سكين راعيهم فذلك يعد تنفيذاً لأوامر راعينا المعظم والذي يطلع على القطيع في صورة بهية كل يوم ويخفي سكينه الحاد خلف ظهره ليقول لهم أن حياتك وحياة كل أفراد القطيع معرضة للخطر أن طالبت بما هو مخالف لسياسة وثقافة القطيع الجميلة والمسالمة والموحدة والتي صاغها الجزارون المؤسسون الأوائل رضوان الله عليهم ...عندها سيدرك عالم القطيع بعد قتل المنادين بتغيير الجزار من قبل أفراد القطيع أنفسهم بأن القطيع أصله يمني .

"إذا كنا مخدوعين لوقت طويل، فإننا نميل إلى رفض كل دليل على أننا خدعنا"


دمتم منحرفين غير قطعانيين



أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكّر وإن ضلّ ، لأنه سيعود إلى الحق ولكني أخشى على الإنسان الذي لا يفكّر وإن اهتدى لأنّه سيكون كالقشّة في مهبّ الريح
محمد الغزالي

3 comments:

  1. قال هيراقليطس:
    الشيء الثابت الوحيد هو التغير المستمر
    وقال ارخميدس:
    اعطوني نقطة واحدة ثابتة اقف عليها و انا احرك الارض

    ReplyDelete
  2. مقال جميل ولكني اختلف معه لان كلمه انحراف ليست المناسبه. لاني اؤمن بضروره القياده. فالرسول ص لم ينحرف وانما اراد توجيه القطيع بطريقه افضل. ولا يوجد انحراف ايجابي وسلبي لان معنى الانحراف هو الابتعاد عن ...الطريق الصحيح. اما الامثله الذي ذكرتهم فهم لم ينحرفوا و انما ارادو توجيه شعوبهم وقيادتها الى الطريق الصحيح ليس بالانحراف عنهم بل بالتقدم معهم. فالقياده محتاجه الى قطيع لكن ليس كما صورت القطيع كالاعمى الذي لا يفهم و لكني افضل تسميتهم بالرعيه التي تعي وتفهم . فلولا الرعيه لما نجح غاندي في التحرير ولما نجح مانديلا وشهر مبارك يا منحرف وان شاء الله ما تفهمها غلط لانها بالمعنى حقك .. .

    ReplyDelete
  3. صحيح الانحراف هو عن الطريق الصحيح مثلما ذكرت اخي anonymousولكن كل قطيع يسير وهو مؤمن تماما انه على الطريق الصحيح لذلك كل الامثله التي ذكرت كانت تعد انحرافات لكن بعد تقديم التضحيات لها واثبات عظمتها اعتبرت او سميت توجيهات,تصحيحات,اوتقويمات...المهم كل فكره نيره ولدت اعتبرت انحراف...اما القطيع فهو دائما اعمى..لانه اذا كان افراده واعيين لما صارو قطيعا اصلا يمشون سويا بسبب الخوف والجهل بل اصبحوا يمشون في اتجاهات متعدده"منحرفه"لتحقيق اهدافعم واهداف القطيع لان ذلك لا يمكن ان يحصل اذا كان الكل ينظر في نفس الخط المستقيم....نحتاج انحرافات عشان الصوره تكون اوضح.....تحيه للمنحرفين وفخور لان اكون منهم....المتمرد على الواقع

    ReplyDelete