Sunday, December 19, 2010

الخطيئة والجريمة وجهان لعملتان مختلفتان

الخطيئة والجريمة وجهان لعملتان مختلفتان
قلم : أسامة إسحاق

إن أعظم جرم ممكن أن يرتكب في الحياة الأدمية من المنظور الإسلامي هو الكفر بالله , ومع ذلك نرى أنه جل جلاله لم يأمر بمعاقبة الكافرين به في الدنيا وخصص يوماً أطلق عليه "يوم الحساب" للثواب والعقاب لجميع البشر , وهو يوم خاص به ولا يشاركه في حسابه أحد من خلقه , وتأكيداً لذلك نلاحظ أن القرآن الكريم كتاب الله المبين قد سطر أروع أمثلة الحرية وحق الأختيار حتى في أعظم مقدسات الإسلام وهو الإيمان بالله وقال (فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) معطياً بذلك نموذجاً رائعاً لأعلى درجات الحرية والتي تمس الذات الألهية , فلك الحرية الكاملة أيها الإنسان في أن تؤمن بالله من عدمه , ولكن يجب أن تدرك أن هناك يوماً للحساب فأختر أيها الإنسان بعد ذلك طريقك , وعلى ذلك قس باقي الخطايا التي تُرتكب في حق الله والتي هي أدنى من الكفر به.


من هذا المنطلق لا بد أن يفرق الإنسان المسلم بين ما يُرتكب سلباً في حق الله وما يُرتكب سلباً في حق البشر , الأول يسمى الخطيئة والثاني يسمى الجريمة وشتان بينهما , الخطيئة حسابها على الله وحده والجريمة حسابها على البشر , وكل عمل او قول إنساني فيما لا يقره الدين والقيم والضمير فهو خطيئة الى أن يتجاوز ذلك العمل وينتهك حق من حقوق الآخرين يصبح جريمة , فلندع للبشر حرية إرتكاب الخطيئة بشرط أن لا تكون فعلاً جنائياً يصادر حقوق الأفراد او ينتهكها .


إن من أكبر المعضلات التي تواجه المجتمعات الإسلامية عامة والعربية خاصة أن الإنسان المسلم أصبح يخلط بين مفهوم الخطيئة والجريمة , ويحصل ذلك الخلط حتى من بعض الأنظمة والقوانين المدنية, فطفت بموجب ذلك ثقافة على السطح تمثل رؤية مفادها أنه يجب أن يعاقب ويحاسب مرتكب الخطيئة وبذلك يضعون أنفسهم مكان الله ليحاسبوا البشر على خطاياهم , ولست أدري اذا كان كل إنسان سيحاسب على خطاياه في الدنيا فماذا أبقينا للمولى عزوجل يوم الحساب !


الخطيئة حسابها على الله والجريمة حسابها على البشر , الخطيئة عقابها في السماء والجريمة عقابها في الأرض , الخطيئة يتم منع إرتكابها بمخاطبة الضمير والجريمة بمخاطبة الجسد , الإنسان حر في إرتكاب الخطيئة من عدمه ولكنه ليس حراً في إرتكاب الجريمة , الخطيئة توضح عواقبها في الآخرة من قبل الوعاظ والجريمة توضح عواقبها في الدنيا من قبل الدولة والقانون , فلا يصح تدخل أحدهم في عمل الآخر فكلاهما جهتان منفصلتان بين جسد وضمير.


اما كيف تواجه المجتمعات الإسلامية مرتكبي الخطيئة والجريمة !؟ , فهناك جهتان مختلفتان منفصلتان معنيتان بذلك , الجهة الأولى الدعاة والوعاظ والمصلحين الإجتماعيين عليهم محاربة الخطيئة بمخاطبة الضمير وليس الجسد بالنصح والإرشاد وتوضيح طريق الهدى وبالتي هي أحسن , والجهة الثانية هي الدولة والقانون والتي تحارب الجريمة بمخاطبة الأجساد ومعاقبتها للمحافظة على أمن مجتمعاتها , ويجب أن لا تتجاوز حدود الجهة الأولى الى العقاب الجسدي فذلك حسابه على الله واذا كان سبحانه وتعالى لم يسمح أن يعاقب الكافر به في الدنيا وسمح له بعدم الإيمان به فما بالنا بالخطايا الأدنى الأخرى .


فلنحاول مخاطبة ضمائرالناس لا أجسادها فيما يخص خطاياهم ولنحاول ترك ثقافة السوط لمحاسبة مرتكبي الجرائم من قبل الدولة , وما يثير إستغرابي في مجتمعاتنا أن الأمور أصبحت بالمعكوس , فنرى بعض الدعاة والوعاظ ينادون بعقاب الإنسان جسدياً إذا أرتكب الخطيئة , وفي الطرف الأخر والأغرب من ذلك نرى الدولة لا تعاقب مرتكبي الجرائم وتكتفي بدور الدعاة والوعاظ في هذا الجانب بمخاطبة الضمير والطبطبة على الجسد , وصدق الصادق حين نوه : في أمة الغثاء تصبح الأمور غثائية

1 comment:

  1. الضمير في الخطايا والجسد في الجرائم

    ReplyDelete