Sunday, October 25, 2009

لمـاذا أنــا ليـبـرالـي مسلـم!؟


لمــاذا أنــا ليـبـرالــي مسلــم!؟
قلم : وان سيفل وان جان

عندما أقول لأصدقائي أنني ليبرالي يسألوني باستغراب :
"كيف يمكن أن تعتبر نفسك ليبرالي وأنت مسلم؟ أليس الإسلام نظرة شمولية؟’’
مجرد طرح هذا النوع من الأسئلة، يدل إلى أي مدى ما يزال معنى "الليبرالية" غير مفهوم
لذا يتوجب عليَّ أن أتوقف عند بعض مبادئ الليبرالية التي لا تتعارض بين معتقدي الديني ورؤيتي السياسية.


دولة الحق والقانون
إن مفهوم الليبرالية ليس بجديد, فأحد مبادئه الأساسية يجد أصله في المعتقدات اليهودية والإغريقية القديمة التي تؤمن بوجود "قانون أعلى" يمكن بموجبه مساءلة الجميع بمن فيهم الحاكم نفسه, و لقد رسخ الإسلام بعد نزوله هذا المفهوم في الفكر الجماعي وأكد على أن الحكام ليسوا المصدر الأعلى للسلطة، فهم أيضا يخضعون لسلطة القانون.

فالليبرالية لا تعني غياب القواعد والقوانين، وإنما هي دعوة لإخضاع الجميع إلى نفس القواعد والقوانين بحيث ألا يكون أحدٌ فوق القانون, فدولة الحق والقانون هي التي تحدد الفرق بين الديمقراطية و الدكتاتورية, فالمجتمعات التي لا تكرس دولة الحق والقانون وتسمح للنخبة الحاكمة بأن تُسَخِّر القوانين لمصلحتها الشخصية وأن تفرض على المحكومين نمط عيشهم هي مجتمعات أقرب إلى الشيوعية والفاشية ولا تمت للإسلام بصلة.


دور محدود للدولة
دولة الحق والقانون تدعو إلى المساواة بين الحاكم و المحكوم, وبما أن الحكام يملكون وسائل الإكراه (سن القوانين، و السيطرة على الجيش و الشرطة) فمن الضروري الحد من سلطاتهم, فمنحهم سلطات واسعة وغير محدودة تفتح لهم الأبواب على مصراعيها من أجل تسخير أجهزة الدولة ومؤسساتها لخدمة مصالحهم الشخصية.

فالدولة، ممثلة بالحكام، هي مؤسسة يفوِّض من خلالها المواطنون السلطة للحاكم, فهي تستمد شرعيتها وسلطاتها من الشعب, وبما أن الدولة مؤسسة قوية تملك وسائل الإكراه، فالخطر الحقيقي يكمن في أن يتسلم زمامها أشخاص سيئون، فتتحول وسائل الإكراه من أدوات تخدم مصالح الشعب إلى أدوات تستعمل ضده,لذا ومنعا لتسلط الدولة، لابد من الحد من صلاحياتها, ولا يتم ذلك عامة إلا عبر وضع دستور فعال يرسم بشكل واضح مهام الحكام و يحد من نفوذ السلطة التنفيذية عن طريق مراقبتها و مساءلتها من قبل السلطات الأخرى (التشريعية و القضائية).

كما أن الإسلام كديانة لم يعرف مفهوم السلطة الدينية المركزية, بل على العكس من ذلك، فالمؤمنون أحرار في اتخاذ قراراتهم استنادا لما يملكون من معلومات, فما يمكن أن نتعلمه من الإسلام هو أنه يستوجب على من بيده السلطة أن يدع الشعب حرًا في أخذ قراراته و أن لا يجبره على الامتثال لأهواء أقلية شاءت الصدف أن تكون على راس السلطة.



الحرية الفردية
دور الدولة المحدود يعني أن الأفراد أحرارا ليتصرفوا بالشكل الذي يرونه مناسبا شريطة أن لا يعتدوا على حرية الغير, فحرية الفرد تتوقف عندما تبدأ حرية الآخرين. وفي هذا الصدد، فإن الفكر الليبرالي يَعتبر أن الفرد هو المكون والنواة الأساسيين للمجتمع. فما المجتمع إلا مجموعة من الأفراد يسعى كل واحد منهم لتحقيق مصالحه واحتياجاته, وكما أن للفرد الحرية بالانضمام إلى أي كيان اجتماعي أو قضية ما، فيجب أن يكون أيضا حرا بالانفصال عن هذا الكيان أو تلك القضية متى أراد, فلا يجب إجبار الفرد على البقاء في إطار أو كيان اجتماعي أو الامتثال لإرادة جماعة ما, وهذا الفكر يتطابق مع مبادىء الإسلام الذي حرر الإنسان من عبودية أخيه الإنسان لكي يعبد الله رب العالمين, لذا فحرمان الفرد من حرية الاختيار يتناقض مع روح الإسلام إذ يتعارض مع إرادة الخالق.

فعلى كل فرد أن يحترم كرامة نظيره مهما كان أصله ودينه وجنسه, و بعبارة أخرى يجب احترام الاختلاف بين الأفراد. ولكل فرد واجبات وحقوق كواجب احترام الآخر وحقه على الآخر بالاحترام. والأهم من ذلك، فإن مبدأ احترام الحرية الفردية يفترض عدم تدخل الدولة في حياة الأفراد الخاصة طالما أنهم لم يعتدوا على حرية الغير.


السوق الحرة
من المعروف أن الليبراليين يدافعون عن نظام السوق الحرة, لكن أسباب هذا الموقف تُفهم، في أغلب الأحيان، بشكل خاطئ, فالبعض لا يتوانى عن اتهام الليبراليين بالدفاع عن التفاوت بين الفقراء و الأغنياء, وبطبيعة الحال فهذه اتهامات غير صحيحة, فالليبراليون يؤيدون نظام السوق الحرة لأنه النظام الاقتصادي الوحيد الذي يحترم كرامة الأفراد, حرمان الفرد من حقه بالاختيار، حتى في المجال الاقتصادي، هو إنكار لكرامة الإنسان و لقدرته على تقرير مصيره.

يؤيد البعض فكرة مسؤولية الدولة عن تأمين المساواة في المجتمع. ولكنهم بذلك يسقطون أولا في خطأ أخلاقي و ثانيا في خطأ عملي و تطبيقي, فأنا أعتقد كمسلم أن الله خلقنا متساوين, وحتى لو كانت فكرة فرض المساواة الاقتصادية جذابة أخلاقيا، فإن التجربة قد أثبتت أن تدخل الدولة لفرض هذه المساواة قد أدى على أرض الواقع إلى المزيد من التفاوت بين الأفراد, فأنا أتعجب عندما يُصوِّر السياسيون أن الحل لدرء فشل الدولة في إرساء المساواة الاقتصادية هوا لمزيد من التدخل تحت مظلة الدولة الراعية.


لقد عرف المسلمون الأوائل الازدهار في ظل دولة لا تتدخل في الشؤون الاقتصادية, فبالرغم من وجود قوانين وجب على الجميع احترامها، فإن هذه القوانين اقتصرت على تأمين الحماية والحفاظ على الأمن والسلام, وقد كان كل مسلم مسؤولا عن أعماله كما كان أغلب الصحابة تجارًا يزاولون تجارتهم في أسواق حرة نسبيا, حتى الرسول (ص) كان تاجرا مثاليا, فالازدهار في إطار سوق حرة سمح لمسلمي هذه الحقبة أن يقدموا الكثير من الخدمات العامة بالرغم من عدم وجود دولة مركزية مسؤولة عن إدارة المدارس أو المستشفيات. فالوَقفُ كمؤسسة خاصة سمح، على سبيل المثال، بتقديم خدمات تعليمية و صحية عديدة بحرية تامة و بدون أي تدخل من طرف الدولة, وحتى المساجد كانت تدار من قبل هيئات خاصة بمعزل عن أي تدخل مركزي.


فالليبرالية إذن، هي احترام لدولة الحق و القانون، و الحد من سلطة الدولة، و تحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، وتشجيع السوق الحرة, فإذا كيف لي كمسلم أن لا أكون ليبراليا؟

No comments:

Post a Comment