Sunday, October 25, 2009

ثقافة الجسد بين الضرورة والكبت



ثقافة الجسد بين الضرورة والكبت
قلم : عمر قدور

الجسد دنس، أو له قيمة أدنى بكثير من العقل أو "الروح". هذا ما روّجته الثقافة السائدة في العالم لزمن طويل. أعضاؤنا توزعت بين أعلى وأدنى، فالجزء الأعلى من الجسد يُنظر إليه بتقدير على حساب الأدنى، وعلى نحو خاصّ نُظر إلى جسد المرأة بأكمله على أنّه دنس. حتى حواسّنا خضعت للمفاضلة، فأخذت حاسّتا البصر والسمع قيمة أعلى من الشمّ والتذوّق واللمس. لكنّ الجسد لم يخضع تماماً، ولم تفلح التعاليم والأخلاقيات التقليدية في ترويضه. نحن نفكّر بأجسادنا، ونفكّر من أجلها أيضاً، مهما حاولنا إخفاء هذا الواقع. حواسّنا هي وسيلتنا في الاتّصال مع العالم، ولا فضل لحاسّة على أخرى، فلمسة دافئة مُحبّة قد توصل من المعاني ما تعجز اللغة عن ترجمته، ورائحةٌ قد تذكّرنا بشخص آخر أو تجذبنا إليه، ومن دون التذوّق لن يكون وصالٌ بالمعنى العميق.

عندما نتحدّث عن الجسد قد يذهب التفكير أوّلاً إلى الجنس، لأنّ الجنس هو الحالة التي نبذل فيها حواسّنا جميعاً، ولأنه الحالة القصوى من "الحوار" وتبادل المتعة بين جسدين. الجنس ميدان لكلّ ما هو فرديّ وشخصيّ، تختلف فيه الخبرات وتتنوّع بتنوّع الأشخاص، وأيضاً تختلف باختلاف المراحل التي تمرّ بها العلاقة بين شخصين.
لا شكّ أيضاً في أنّ علاقتنا بالجنس تتأثّر بالموروثات الاجتماعية والبيئة الثقافية، لنأخذ على سبيل المثال الفارق بين ما نتلقاه من ثقافة العصر وما ما تزال مجتمعاتنا تعانيه من كبت وحرمان. الحديث في الجنس أحد المحظورات في مجتمعنا، مع أنّ البعض من الكاتبات والكتاب الشباب خاصة قد بدأ بكسر المحظور، فهل نحن قادرون على تجاوز الحرج والحوار فيما هو شخصيّ وفرديّ على الملأ؟

وهل نستطيع الحديث عن أجسادنا وما تكشفه لنا في الجنس؟ أو الحديث عمّا يكشفه لنا الشريك بجسده؟ ماذا عن الجنس قبل الزواج وكيف يتمّ التعاطي مع قضية البكارة؟ ماذا عن الجنس والحبّ، وماذا عن الجنس العابر؟
وضعيات الجنس، استخدام الواقي الذكري وموانع الحمل، الإجهاض الاضطراري… تفاصيل أخرى يمكن أن يتناولها الحوار.

لا تتوقّف ثقافة الجسد عند حدود الجنس، فالمعايير الجمالية تؤثّر فينا بدرجة أو أخرى؛ مثلاً كيف تكون علاقتي بجسدي إن كانت مقاييس الجمال الغالبة تضعني في مرتبة متقدمة؟ وعلى العكس؛ كيف تكون العلاقة إن كنت أحسّ بأن هذه المقاييس تعطيني مرتبة أدنى؟ ألا ينصرف جزء من عنايتنا بأجسادنا كي نحظى بإعجاب الآخرين؟ ثم أليس لكل منا ما يعجبه في جسده على نحو خاصّ في المقابل من أجزاء لا تحظى بالرضا نفسه؟

بالجسد نرسل الرسائل إلى الآخرين، أو يقوم هو بإرسالها بلا قصد منا، فنحن لا نتحكّم تماماً بنبرات صوتنا، ولا نتحكّم تماماً بتعابير أوجهنا. نحن محكومون بتواريخ أجسادنا أيضاً، وقد نعاني معها، ألا يحدث مثلاً أن تنتابنا الرغبة في الرقص، ولا تطاوعنا أجسادنا لأننا تربينا في بيئة تستهجن الرقص؟
لا يمكننا في هذا السياق التغاضي عن مسألة الحجاب، مع ما ترمز إليه ثقافة حجب الجسد. وعطفاً على الأسئلة السابقة؛ كيف تتواصل الفتاة المحجّبة مع محيطها؟ وكيف يراها الآخرون ويتواصلون معها؟ ما هو تأثير الحجاب على الحواسّ والرغبات وعلى الفعالية الجنسية للمحجّبة؟
قصة الجسد أطول وأعمق من اختصارها في مقدّمة تطرح من الأسئلة أكثر مما تملك من الإجابات، وربّما تكون أسئلة الجسد في شبابه وعنفوانه أكثر بلاغة، لذا ستكون الكلمة والحوار لكم
.

No comments:

Post a Comment